قالت لي: ياسيدي كلنا مدمنون.. منا من هو مدمن كذب ونفاق ورياء.. ومنا من هو مدمن فساد وإفساد ذمم وأكل حقوق الآخرين بالباطل.. ومنا من هو مدمن مقالب وفتن ومؤامرات.. ومنا من هو مدمن رذيلة وخطايا تزكم الأنوف.. ومنا من هو مدمن مال أو عبد له.. أو مدمن لكرسي ومنصب وجاه وسلطان.. ومنا من هو مدمن نساء.. مزواج زنيم عتل.. والرجل مادام قد جري في يده القرش خرجت الحرابيق من النساء ـ جمع حربوقة ـ من جحورهن لتأسره في شباكها واحدة أو اثنتين أو حتي عشرا!
أسألها وأنا أتأملها مليحة شابة ولكنها شاحبة الوجه ممصوصة القوام تائهة النظرات قلقة لا تكاد تستقر علي حال: وانت يا عزيزتي الصبية أي نوع من الإدمان عرفت؟
قالت دون تردد ودون خوف: أنا دون فخر مدمنة هيروين!
قلت: ياه هيروين حتة واحدة!
قالت: ومن كل ما عرفه الإنسان من جراب المخدرات: كوكايين.. حشيش.. بانجو.. أبوصليبة.. ماكستون فورت.. حبوب هلوسة.. ماخلتش!
قلت: وإيه اللي رماك يا صبية علي هذا الطريق الوعر؟
قالت: اللي أمر منه.. عندما تلعب بك الحياة لعبة الثلاث ورقات.. وعندما يدير كل الناس.. حتي أعز الناس ظهورهم إليك.. بل يطعنونك من الخلف وفي مواجهتك دون نقطة خجل واحدة وبأقنعة زائفة وبسكين بارد!
أدركت بعد هذا الاعتراف الجريء أنني أمام إنسانة انقطعت صلتها بالناس وبالحياة وبكل من حولها.. وكأنها مجرد ورقة من صحيفة ألقتها فتاة صغيرة في حي شعبي من الشباك بعد أن مسحت بها ما بقي من الزجاج المترب المعفر إلي الطريق ليدوس عليها بحوافره الأربعة بغل عجوز يجر عربة كارو محملة بقدور الفول الكالحة السوداء.
أسأل الورقة التي داسها بغل الطريق.. آسف أقصد المليحة الجالسة الساهمة الشاردة النظرات أمامي: أعرف تماما أن من زلت قدماها إلي هذا المستنقع الشيطاني الذي لا خروج منه.. وعرفت وجربت وذاقت كل أنواع الإدمان وصنوفه وتسكعت في سككه وتاهت في دروبه.. لابد أن لها حكاية درامية لها أول ولكن بلا نهاية!
قالت: حتي الآن.. لكن بدايتها بريئة عذراء كزهرة ندية فوق غصن ممشوق القوام.. وهكذا كانت بدايتي.. كنت أحلي بنات الفصل وربما المدرسة كلها.. ومن بعدها الجامعة لقد كنت أدرس منهجا صعبا علي الفتيات.. هو الاقتصاد والعلوم السياسية, ولكن إصراري علي أن أصبح كاملة مكملة من مجاميعه.. الجمال والذكاء والطموح والنجاح كلها في سلة واحدة أملكها ولا تملكني.. فقد كنت صاحبة إرادة حديدية تتحدي الكل وتنتهي من نجاح إلي نجاح..
أخذت هذه الصفات والمزايا.. الجمال والذكاء عن أمي.. والطموح عن أبي الذي كان تاجرا ناجحا جدا برغم أنه بدأ من أول درجات السلم..
وتخرجت وتسلمت وظيفة مرموقة يحسدني عليها الأولاد قبل البنات.. وحفي الخطاب ورائي.. كل واحد يريد أن يفوز بهذه القطة الناعمة الملمس ولم يكن يدري أنها ذات أنياب ومخالب..
واخترت.. أنا التي اخترت رجلا ملء العين والسمع والفؤاد.. لأنني أدرك أو أدركت بدري لا فرق.. أن شباب هذه الأيام مثل عيدان الكبريت سرعان ما تشتعل وتتوهج ثم تنطفيء وتذهب إلي طقطوقة السجاير..
وآسفة لهذا التعبير.. ولكنها الحقيقة.. أردت أن أسند ظهري وأرهن عمري علي جدار صلب هو رجل قوي مجرب متمكن قادر علي إسعادي واحتوائي.
..............
..............
القادرة المتمكنة تحكي.. وأنا منصت خاضع لطغيان فتاة تعرف ماذا تقول.. وتختار كلماتها بعناية وإحساس..
قالت وقد فرغت من أول فنجان قهوة أمامها: اصطدته قبل أن يصطادني.. والمرأة تعرف كيف تصطاد الرجل دون أن يعرف أنه هو الفريسة.. بل توهمه بما لها من أسلحة فتاكة أنها هي الضحية وأنه هو الصياد والفارس المغوار.. والرجل عادة أطيب ومن السهل الإيقاع به..
المهم أنني تزوجته في النهاية وانتقلت للحياة معه في شقة بديعة تحتل دورا بحاله في عمارة شاهقة تطل علي النيل.. بعد أن أمضينا أسبوع عسل في جزر الهونولولو..
بعد ثلاثة أيام لا أكثر من عودتنا.. قال لي إنه سيسهر مع أصدقائه في غرفة خاصة في الشقة الواسعة التي تضم اثنتي عشرة حجرة تتوسطها نافورة مياه علي الطراز الفيكتوري..
قلت له: وماله ياحبيبي.. أنا لن أمنعك عن أصدقائك..
كان يأتي إلي غرفتي آخر الليل مونون وهي كلمة تعني أنه في حالة مهللة.. سألته: إيه انت بتشرب حشيش واللا إيه؟
قال لي: حشيش إيه يا عبيطة.. انت ما تعرفيش إني أنا شمام؟
كانت أول مرة أسمع فيها هذه الكلمة.. سألته: يعني إيه شمام يا روحي؟
قال: انت ما تعرفيش إن أنا بأشم هيروين!
سقطت من طولي وأفقت من غفوتي علي حقيقة مرعبة أنني تزوجت من مدمن أراري!
أسألها مقاطعا: وعرفت فين كلمة أراري دي؟
قالت بخبث امرأة عجنتها الأيام وخبزتها: عرفتها من تجار الصنف ومن معاشرة أهل الكيف!
قلت وبعيدن؟
قالت: عندما هددته أنني سأترك له البيت والجمل بما حمل..
قال لي جملة واحدة: جربي كده..
سألته: أجرب إيه؟
قال لي: جربي تشمي.
قلت له: بطلوا ده واسمعوا ده.. أنا أشم.. أنا شمامة زيك كده..
قال لي: أنا أتحداك لو جربت مرة.. موش حترجعي أبدا.. ده عالم مهول ولا في الأحلام, ولا عالم والت ديزني!
ولأن من طبعي قبول التحدي.. فقد تحديته وشميت وعشت واتنشيت وطرت فوق السحاب ولم أنزل إلي الأرض من يومها!
................
...............
طلبت هي من عبدالنبي أن يأتيها بفنجان آخر من القهوة.. بس يكون سادة هذه المرة..
أتعجب في نفسي لشابة مازال العمر أمامها طويلا وتشرب القهوة سادة وأنا أشربها مضبوط..
قلت لها وأنا أتأمل اليمام من خلف شباك حجرتي في الدور السادس وهو يتعارك من أجل الفوز بحبات القمح الذي أقدمه له كل صباح: وبعد ما شميت وطرت فوق السحاب!
قالت: نزلت سابع أرض.. ودارت بي الدنيا ولعبت معايا لعبة دوخيني يالمونة التي كنا نلعبها صغارا!
شميت وأدمنت زي المحروس جوزي.. الذي كسب الرهان.. واكتشفت أن جوزي الهمام صاحب الجاه ورجل المشروعات الكبري يتاجر هو راخر في الصنف!
أسألها: يعني إيه؟
قالت: اكتشفت انه واحد من أكبر مهربي الصنف لمصر.. بس مداري خلف لافتة المشروعات الكبري!
وشوية شوية جرجر رجلي وأصبحت شريكة له في الإدمان والتجارة.. لأن الكيف مكلف جدا.. يعني إذا كنت عاوز تعرف.. أنا بأشم بثلاثة آلاف جنيه في اليوم الواحد.. منين دبرني انت!
ولأن المصائب لا تأتي فرادي.. زي قطر البضاعة كده يسحب وراه ثلاثين عربية.. جوزي وقع في إيد البوليس.. ما استحملش جاله سكتة قلبية من الفضيحة.. واتباعت الشركات والأوتومبيلات والمكاتب واتصادرت أمواله.. وبقينا علي الحديدة!
حاولت أرجع شغلي اللي سبته بعد ما اتجوزت قابلوني بأهلا وسهلا.. وبعد ثلاثة أشهر اكتشفوا الشيطان اللي راكبني.. قالوا لي بالسلامة باب السكة قدامك..
ولأني لا أستطيع الابتعاد عن الشم كل ليلة.. بعت كل شيء.. الشقة اللي اتناشر أودة بالنافورة بتاعتها.. شربت بثمنها سنة بحالها.. والمرسيدس بتاعة جوزي والـ بي.إم بتاعتي شربت بثمنها ثلاثة أشهر.. ورجعت شقة أمي اللي ماتت بحسرتي..
بعت كل شيء.. أتعرف معني أن تبيع امرأة كل شيء بأرخص ثمن عشان الكيف!
أسألها: مارحتيش مصحة للعلاج؟
قالت: رحت.. تدخل المصحة من دول تطلع منها أكثر إدمانا.. دول بيبيعوا المخدرات جوه للمرضي.. وكله بثمنه!
ألم أقل لك.. كلنا مدمنون.. بس الاختلاف في صنف الإدمان!
تركتها في مكتبي إثر مكالمة عاجلة عدت بعد ثلث ساعة.. لم أجد لها أثرا..
سألت عبدالنبي: راحت فين الست اللي كانت هنا؟
قال: ذهبت وتركت لك هذه الرسالة..
أفتح الرسالة وأقرأ كلمات بخطها المنعكش: آسفة جدا ياعزيزي.. أخذت من محفظتك في الجاكتة المعلقة في المكتب200 جنيه بس.. سلف وحياتك عشان أشتري ولو نص تذكرة أشمها بالليل.. اسفة جدا!
قلت في نفسي دون صوت: وكمان حرامية.. لكن تعمل إيه الكيف يحبك! برفع الياء والباء..
سألت بدوري الصديق الدكتور أحمد عكاشة كبير أطباء علم النفس عن الشرق الأوسط كله: هل تلجأ المدمنة للسرقة إذا لم تجد ثمن المخدر؟
قال: ويمكن تقتل كمان!
قلت: ياخبر تقتل كمان!
قال: لو ما وجدتش المخدر في الوقت المناسب تماما.. بل إن المدمن يرتكب أبشع الجرائم وأشدها وحشية وهو لا يدري ماذا فعل ولماذا؟.. ألم تسمع حوادث قتل الأبناء لأمهاتهم وأبائهم واخواتهم وأي إنسان شاء سوء حظه أن يوجد أمامه ساعة استحكام أزمة الكيف.. إنه يتحول إلي مجنون رسمي!
................
................
في نادي الصيد فاجأتني زوجتي: عمرو خالد يبحث عنك..
قالي لي الداعية المثقف: ياريت تشاركنا في حملة الإدمان.. سأرسل لك ملفا كاملا بما يجري في مصر والعالم العربي.. تصور أصبح لدينا عشرة ملايين مدمن عربي بينهم4 ملايين مصري!
إننا نقوم بحملة واسعة لإنقاذ المدمنين من الضياع..
وزعنا ثلاثة ملايين ملصق دعائي ضد الإدمان+ قمنا بنحو50 ألف نشاط في الأندية والمجتمعات والجامعات+ عالجنا نحو4460 حالة إدمان.
وقد أشادت جريدتكم الأهرام بهذه الحملة القومية لإنقاذ أربعة ملايين مدمن في مصر وحدها.
لقد أبكاني خبر نشرتموه عن شاب حقن نفسه بالهيروين في حمام المسجد فمات.
لدينا الآن100 ألف قناة فضائية تتمثل في100 ألف شاب وفتاة يتحولون إلي قنوات فضائية متحركة في الشوارع للتوعية ضد المخدرات..
لابد من حملة قومية تشارك فيها منظمات المجتمع المدني مع الدولة ومع الجامعات ومع دور العبادة لإنقاذ شباب مصري وعربي يجري تدميره من الداخل.
.................
.................
نترك المدمنة التي لا تعرف النوم.
ونصفق للداعية الذي يحاول إنقاذ شباب مصري وعربي قوامه عشرة ملايين شاب وشابة من السقوط في بئر الإدمان.. ونحاول أن نجيب عن سؤال لأحد الخبثاء:
كيف كان مشوار المصري منذ فجر التاريخ مع الإدمان؟
متي عرف المصري صاحب الحضارة التي أشعلت مصابيح النور والتنوير لتضيء الدنيا كلها.. طريقه إلي عالم الظلام والعتمة والإدمان؟
يقفز أمام عيني ما قاله هوميروس الشاعر الإغريقي قبل نحو تسعة قرون من ميلاد السيد المسيح في أشعاره في الإلياذة الشهيرة:
ان الأميرة اليونانية هيلين طروادة كانت تقدم شرابا اسمه شراب السلوان إلي الأمير اليوناني فلي ماكوس لكي تنسيه همومه لخسارته الحرب أمام هانيبال العظيم وان هيلين اليونانية الجميلة قد حصلت علي هذا الشراب الذي يذهب بهموم الدنيا من أميرة مصرية اسمها تون وما جاء في نص أشعار هوميروس:
امرأة من مصر.. من الأرض الطيبة الخيرة التي لا تتوقف عن العطاء والتي تمنح بسخاء عشبا أخضر قليل منه فيه الشفاء وكثير منه فيه الهلاك
وأذكر أنني قرأت للمؤرخ اليوناني الذي عاش في مصر وبالذات في الإسكندرية واسمه تيودور الصقلي أنه قال:
لقد كانت نساء طيبة يشربن شراب السلوان الذي يذهب بالحزن والغضب.
وشراب السلوان هنا لم يكن مستخلصا من الحشيش ولكنه كان مستخلصا من الأفيون الذي يبدو أنه كان معروفا في مصر قبل عصر هيلين طروادة.
وفي كتابه العظيم الموثق( جريمة تعاطي المخدرات في القانون المقارن) يقول الدكتور محمد فتحي عيد تحت عنوان التطور التاريخي لمشكلة المخدرات في مصر: لقد عرف المصريون القدماء نبات الخشخاش الذي يصنع منه الأفيون في وقت مبكر جدا. هذا ما جاء في كتب المؤرخ صابر جبرا وكان دليله ما يلي:
1 ـ إنه عند اكتشاف إحدي المقابر الفرعونية للأسرة الثامنة عشرة عثر بداخلها علي مرهم زيتي يحتوي علي المورفين.
2 ـ عند التنقيب عن الآثار في وادي الملوك عثر الأثريون علي قرصين ذهبيين علي شكل كبسولة نبات الخشخاش.
3 ـ عثروا علي زهور وأوراق نبات الخشخاش حول مومياء فرعونية من الأسرة الحادية والعشرين وذلك في أكاليل الزهور.
4 ـ إن المصريين كانوا يسمون الخشخاش باسم نبات( شين), كما أن الأفيون قد ذكر22 مرة في أوراق البردي.
5 ـ كان المصريون يستخدمون الأفيون أساسا في علاج أمراض العيون وكمراهم لعلاج أمراض الجسم, بل إن مصطلح(P.O.I.U.M) قد استخدمه المصريون في العصرين اليوناني والقبطي وقد أخذه عنهم الغرب.
6 ـ في كتاب مصر والحياة المصرية في العصور القديمة لمؤلفه أدون هرمن:
إن المصريين كانوا يستخدمون نبات شبن أو الخشخاش كدواء لتهدئة صراخ الأطفال.
7 ـ أما المؤرخ كلودوا جالين الذي جاء في القرن الثاني بعد الميلاد فإنه يقول:
إن الإله المصري موت هو الذي علم الجنس البشري كيف يستمتع بالأفيون.
8 ـ عثر الأثريون في مقبرة المهندس شا الذي عاصر الملك أمنحتب التاني علي إناء بداخله زيوت دخل في صناعتها الأفيون.
9 ـ في كتنابه لمحة عامة إلي مصر يقول كلوت بك:
إن الحيثيين ـ الذين كانت لهم حروب طويلة مع رمسيس الثاني انتهت بأول معاهدة سلام في التاريخ بين مصر وبينهم ـ كانوا يشربون الحشيش في حفلاتهم الدينية.
10 ـ يقول المقريزي المؤرخ المصري العظيم الذي عاش في بلدنا قبل نحو ستة قرون:
إن نبات القنب الذي يستخرج منه الحشيش معروف في مصر منذ القدم, وأن المصريين قد استخدموه في صناعة الحبال, وأنهم لم يستخدموه كمخدر إلا في القرن السابع الهجري بعد أن علمتهم الشعوب الأخري التي جربت الحشيش واكتشفت أنه يبعث علي السعادة والسرور!!
11 ـ إنه في عصر المماليك ومع تفشي أنواع من الظلم والخلل الاجتماعي انتشر الحشيش في بر مصر بوصفه باعثا علي طرد اليأس والشعور بأوقات سعيدة طيبة مع أنفاس زرقاء من الحشيش, بل راجت زراعته في مصر واشتهرت القاهرة بالذات بزراعته في حي الظاهر والفجالة وباب اللوق.
12 ـ أما المؤرخ العربي ابن البيطار فقد وصف الحشيش المصري بأنه مسكر جدا إذا تناول منه المرء قدر درهم أو درهمين, وأن الإفراط في تعاطيه يؤدي إلي الجنون, وقد يؤدي إلي الموت.
13 ـ ويقول ابن إياس المؤرخ المصري المشهور في كتابه بدائع الزهور:
إن المماليك قد اعترفوا ووافقوا علي زراعة الحشيش وبيعه وتعاطيه واكتفوا بفرض ضريبة عليه لملء خزينة الدولة بالمال.. وأن الظاهر بيبرس البطل العظيم قاهر المغول والذي تزوج بأول أميرة مغولية دخلت القاهرة ألغي الضريبة المفروضة علي الحشيش عندما تبين له أضراره علي أهل مصر, واكتفي بمصادرة المضبوطات من الحشيش لمن يضبط وهو يبيعه أو يتعاطاه!
14 ـ وفي عصر العثمانيين من عام1517 إلي عام1805 ميلادية شاع استخدام الحشيش بين الناس بعد التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي ساد مصر خلال أيامهم حتي إن نابليون بونابرت عندما دخل إلي مصر مع حملته الفرنسية الشهيرة فوجئ بانتشار الحشيش وحتي لا يدمنه جنوده أصدر قرارا في عام1800 ميلادية بمنع تعاطي الحشيش في مصر وكانت العقوبة أيامها ثلاثة أشهر سجنا ومصادرة الحشيش المضبوط.
15 ـ ولكن المؤرخين يقولون إنه عندما جاء محمد علي مؤسس مصر الحديثة الذي حكم مصر لمدة43 عاما من1805 إلي1848 طالب بالتوسع في زراعة القنب لصناعة الحبال من نباته ليبني أكبر أسطول حربي لمصر ولكنه عندما علم أن تعاطي الحشيش قد زاد بين العاملين في المصانع الحربية باستخدام بذور القنب أصدر أوامره إلي جميع المديريات في مصر بمنع زراعته إلا أن الفلاحين لم يمتنعوا عن زراعته وكانوا يزرعونه خلسة.
16 ـ قرأت في كتاب بناء دولة مصر الذي كتبه الدكتور محمد فؤاد شكري وعبدالمقصود العناني وسيد محمد خليل: أن محمد علي وهو تاجر دخان قديم قد توسع في زراعة القنب وتوسع أيضا في زراعة الخشخاش عندما علم من مستشاريه مقدار الشهرة الرائعة التي حققها أفيون طيبة في قديم الزمان فاستدعي خبراء من تركيا لزراعة الخشخاش في مصر, وكان الباشا محمد علي يتولي تصدير الأفيون الناتج عن الخشخاش إلي الخارج, خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين لاستخدامه في الأغراض العلمية فقط.
أما بذور الخشخاش فقد كان يتم عصرها في المصانع لإنتاج زيت المصابيح.
17 ـ ويقول الأستاذ إبراهيم نافع في كتابه كارثة الإدمان: إن تقارير مبعوثي الدول الأجنبية في مصر كانت تقول إن الأفيون المصري يعتبر من أهم صادرات مصر حتي إنه في عام1834 صدرت مصر إلي الخارج أربعين أوقية أفيون إلا أن المصريين برغم هذا الإنتاج الوفير ورخص ثمنه لم يقبلوا علي تعاطي الأفيون.
18 ـ ويقول كلوت بك في كتابه لمحة عامة إلي مصر:
لقد انتشر تعاطي الحشيش في مصر, وراح الخلق يأكلونه ويشربونه ويدخنونه في المقاهي, وفي حوانيت خاصة أطلقوا عليها اسم المحاشش!
19 ـ أما اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر فيقول في مذكراته:
إن مصر لم تعرف أول مكافحة حقيقية ورسمية للمخدرات إلا في عام1879 عندما صدر الأمر العالي بمنع زراعة الحشيش في مصر, ومنع استيراده, وقال اللورد كرومر في تقريره عن الحالة العامة في مصر أيامها:
إن الحشيش لايزال ينزل ويلاته بالقطر المصري, وأن18% من الذين دخلوا مستشفي الأمراض العقلية سنة1903 كان جنونهم بسبب تعاطي الحشيش!
............
............
هذه هي سيرة الحشيش والأفيون مع المصريين أو سيرة المصريين مع الحشيش والأفيون, وقد تسألون متي دخل أخطر أنواع المخدرات علي الإطلاق وهما الكوكاكيين والهيروين إلي مصر؟
الجواب نجده في كتاب الدكتور محمد فتحي عيد( جريمة تعاطي المخدرات في القانون المقارن):
إن مصر لم تعرف من أصناف المخدرات إلا الحشيش والأفيون حتي1914 ومع قرب نهاية الحرب العالمية الأولي في عام1919 تمكن يوناني من إدخال الكوكايين إلي مصر, وقد استخدمه أبناء الذوات ثم انتشر إلي الطبقات المتوسطة والشعبية.
وقد بدأ بيع الكوكايين في مصر منذ عام1919 ثم تلاه بيع الهيروين وأخذ التجار يبيعونه بثمن بخس حتي أدمنه الناس وأصبح له ضحايا عديدون.
أما التقرير الرسمي لمكتب مكافحة المخدرات في عام1930 فإنه يقول:
إن الهيروين قد انتشر في البلاد في أواخر عام1928 وقد قدر عدد مدمني الهيروين في مصر بنصف مليون مدمن من بين14 مليون إنسان هم عدد سكان مصر أيامها, وكان من أهم أسباب تفاقم الإدمان الثراء المفاجئ الذي طرأ علي البلاد عقب الحرب العالمية الأولي بسبب ارتفاع أسعار القطن.. وليس الحديد كما يحدث الآن!
...............
..............
كيف واجهت مصر هذه الحملة الشرسة لتدمير مصر من الداخل.؟\